مبادئ التربية

نحاول في هذا البحث طرح الأصول والمبادئ الجوهرية التي نرى صورة مراعاتها من قبل الوالدين والمربين لتسيير التربية الدينية بشكل صحيح.

١- مبدأ المحبة: يقوم أساس التربية في السنوات الأولى من عمر الطفل على المحبة. ويفترض تعويد الطفل منذ البداية على الأخذ بما يراه الوالدان وترك ما لا يرتضاينه. وبعبارة أوضح بإمكان المربي أن يقول للطفل وبدون أي ضغط وإكراه: أنني لا أحب هذا العمل، وذلك حينما يبدر منه عمل غير صحيح، وأما اذا صدر منه تصرف صحيح فيقول له: أنني أحب هذا العمل. يجب أن يبني الوالدان سلوك الطفل على هذين الجانبين (أحب – لا أحب). ويمكن تطبيق هذه القاعدة عن طريق النظرات التي تنم عن المحبة أو الاستياء، والكلام المعبر عن الرضا، الصمت أو الاهتمام والتجاهل والمحبة أو الغضب. يجب أن يتذوق الطفل خلال ذلك ضمنيا مزايا حب الوالدين، أو غضبهما واستيائهما، ويمكن أن يتحسس مزايا ونتائج ذلك بشكل صريح في السنوات اللاحقة.

٢- مبدأ التشجيع: يتأمل الطفل أن يكافأ لقاء كل فعل حسن يصدر منه، وعلى الوالدين تحقيق هذا الأمل. إلا أن هناك قضية حاسة وهي أن المكافأة يجب أن لا تأخذ طابع الرشوة.

يجب أن يؤدي الطفل العمل الحسن على أساس كونه واجباً شخصيا واجتماعيا من غير أن يتوقع الثناء عليه، وعلى الوالدين تشجعيه غلى اعتبار كونه شخصاً صالحاً وعارفا بواجبه، والمسألة الأخرى هي أن لا تتخذ المكافأة صورة المكافأة النقدية، كأن يقال له: إذا صليت أعطيك درهماً، بل يجب أولا أن يعتبر أداء الصلاة واجباً مفروضاً عليه شأنه في ذلك شأن بقية أفراد العائلة. وثانياً أن يكون تشجعيا له من باب الارتياح لقيامه باداء واجبه، أي أن نظهر له سرورنا من عمله، ومن ثم نفهمه في السنوات اللاحقة بأن الله تعال راضٍ عن عمله هذا أيضا.

والنقطة الثانية التي ينبغي الإشارة إليها هي ضرورة عدم تكرار المكافأة لأن التكريم يفقد في مثل هذا الحالة قيمته الحقيقية.

أما النقطة الثالثة التي أود التنبيه إليها فهي أن لا تتجاوز المكافأة الحد المعقول بحيث لو أدى الطفل عملاً آخر أكثر أهمية ويستحق المزيد من الثناء والتكريم، لا يبقى لنا – حينذاك ما نعبر عن رضانا وارتياحا من ازاءه.

لتكن المكافأة دوماً عند حد تبقى معه أمام الانسان مجالات أوسع لبلوغ مدارج أسمى ونيل المزيد من رضى الله تعالى واستحسان الوالدين.

من بعد سن الثامنة يمكننا أن نوضح لهم أن الله تعالى يحب العمل الفلاني ويبغض التصرف الفلاني، ويصبح من اليسير أن نكلمه بأن عاقبة محبة الله لنا هي دخول الجنة بكل ما فيها من النعم واللذات، ونتيجة غضبه هي العقوبة ودخول النار.

وقد انتهج القرآن الكريم نفس هذا المسار، وأشار في الكثير من الآيات الى أنه يحب هذا العمل والقائمين به، أو أنه يبغض ذلك العمل ومن يرتكبه.

والقضية الهامة هنا هي ضرورة اللجوء الى الشدة في بعض الموارد ولكن لا ينبغي أن يطغى الاعتدال والمحبة. وتظهر التجارب أن أكثر الناس تدينا هم الذين نشأوا وتربوا في عوائل تمتاز بالاعتدال والعطف والمحبة. إن نقص  المحبة والحنان يثير في النفس مشاعر الغربة والوحشة، وحتى أنه قد يفضي الى الوقوع في بعض المنزلقات الخطيرة والفرار من البيت والانتحار والمتاجرة بالشرف.

٣- مبدأ الخشونة واستخدام القوة من قبل الوالدين: حينما يحاول الطفل التمرد على الصيغ التربوية المتعارفة واتباع رغباته وأهوائه الشخصية لسبب أو آخر، يجب على الوالدين حينئذ اللجوء الى أسلوب القوة. فيصدرون له الأوامر والتوجيهات، ويشرفون على تنفيذها بدقة. يجب على الوالدين الاحتفاظ بدورهم في الارشاد والنصح والسيطرة والتسلط في جميع مراحل التربية، وما دامت مسؤولية الاشراف على الطفل بأيديهم، سواء كان ذلك بشكل مباشر في المراحل الأولى أم بشكل غير مباشر في ما بعد. وحتى أن الروايات الإسلامية تحدثت عن ضرورة معاقبة الطفل فيما لو تمرد على طاعة والديه، إلا أن أغلب تلك النصوص وردت بالمعنى اللغوي للكلمة، أي بمعنى التنبيه والارشاد وأحيانا الضرب غير الموجب للدية.

٤- مبدأ الاعتدال: إلتزام الاعتدال أصل مهم أيضا في التربية الدينية، فلا ينبغي أبداً تكليف الطفل بأي عمل شاق. فقد ورد عن الأئمة المعصومين (ع) أنهم أمروا باصطحاب الطفل إلى المسجد، ولكن بشرط أن لا يطول المكث فيه، شجعوا الطفل على الصلاة، ولكن لا تكرهوه على القيام لصلاة الليل واداء النوافل، وشجعوه أيضا على الصوم ولكن اجبروه على الإفطار في أي وقت يشعر فيه بالملل والجوع.

٥- مبدأ تنقية البيئة المحيطة به: تُبذل الجهود في التربية الإسلامية لإزالة العوامل والأسباب المشجعة على الانحراف، وكل ما يمكن أن يترك أثاراً سلبية ذهن الإنسان. وهذا يتطلب سلامة أجواء البيت والمدرسة والمجتمع من أي انحراف، وبعبارة أخرى ألا تبطل عوامل التربية والاجتماع بعضها البعض وتنتهي بذلك تأثيراتها. ويجب أن لا تسلك الأجهزة الإعلامية أي سلوك يتعارض مع التربية الدينية ويلغي مفعولها.

وعلى المربي أن يرى نفسه ملزماً برعاية هذه الجوانب.

Subscribe to our Newsletter

Sed ut perspiciatis unde omnis das ist wirklich iste natus.
[contact-form-7 id="0"]

Whoops, you're not connected to Mailchimp. You need to enter a valid Mailchimp API key.